يقول
الرازي في تكملة كلامه: (والعجب من
الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهات غير جائز؛ لأن تعيين ذلك التأويل مظنون والقول بالظن في القرآن لا يجوز)، أي: من الأدلة على أن التأويل لا يجوز أنه ظني بإجماع المؤولين؛ لأنه خلاف دلالة اللفظ وفرق بين أن تقول: ((
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ ))[الفجر:22] بمعنى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) على ظاهرها، وبين أن تقول: جاء أمره أو رحمته أو عذابه بلا جزم، فهو ظني بالنسبة للمتكلمين، أما نص القائل المتكلم فإنه إذا ترك على ظاهره فإنه واضح ظاهر المراد، أما عمل الإنسان في إخراجه عن ظاهره فلا شك أنه ظني بدليل الاختلاف في التأويلات، فقوله: (إن
الحشوية ) يعني:
أهل السنة والجماعة يقولون: لا يجوز تأويل الآيات تأويلاً ظنياً، فنبقى على الأصل وهو العمل بالظاهر، يقول: فما دام ذلك كذلك فكيف يتكلمون في ذات الله تعالى وصفاته في أخبار الآحاد مع أنها في غاية البعد من القطع واليقين؟ فكيف تنفون الظن هنا ولا تنفونه هنا، وهذا فيه تلبيس وفيه تدليس كبير لأننا نقول: ما ثبت عن الله تبارك وتعالى من القرآن فالخلاف إنما يكون في قطعيته من جهة الدلالة، أما الثبوت فلا نقاش فيه، وأما الأحاديث فكلامنا فيها أولاً من جهة قطعية الثبوت، فإذا ثبت الحديث قطعاً، فإن دلالته إما أن تثبت أيضاً قطعاً فلا نقاش في ذلك، وإن كان خبر واحد، وهذا ما عمله الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، حيث قبلوا أحاديث الصفات مع أنهم ترددوا في أحاديث الفروع وطلبوا التثبت، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم منهجهم عكس ما قرر
الرازي، وهم أفقه وأعلم الناس وأذكى الناس، فهم فيما يتعلق بصفات الله يقبلون الحديث على ظاهره؛ لأنه خبر عن غيب، ولأن قائله صادق أخذه عن غيب، أما ما يتعلق بالأحكام مثل: هل ترث الجدة أو لا ترث؟ وهل المبتوتة لها سكنى ولها نفقة على مطلقها أو لا؟ فنجدهم هنا يتثبتون ويتحرون فيه وغير ذلك مما سنذكر إن شاء الله؛ لأنها أحكام يمكن أن يخطئ الإنسان فيها، أما إذا قيل عن الله شيء فإن القائل عن الله ما دام صادقاً فالواجب على المؤمن أن يؤمن بالغيب وأن يسلم به، واعتناء الصحابة رضي الله تعالى عليهم بآيات الصفات وأخبار الصفات أعظم من اعتنائهم بالأحكام، ولذلك كانوا يتثبتون في الأحكام؛ لأنهم يعلمون أن القائل فيها لا يقول إلا عن يقين، وإذا شك أخبر بالشك.والمراد أن
الرازي يكيل هذه الشبهات فيخلط بين قطعية الدلالة وقطعية الثبوت، ثم يقول: (وإذا لم يجوزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون فلأن يمتنعوا عن الكلام في ذات الحق تعالى أو صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى) ونقول: هذا الكلام صحيح لكن نحن إنما نتكلم في الصفات بالروايات الصحيحة، فمن قال: إن تلك الروايات ضعيفة، لو أنها ضعيفة ما أخذنا بها، ولكن كلامنا وخلافنا معك في الصحيحة لا في الضعيفة، فلا تلزمنا بما لا نقول به، فإن هذا تناقض.